التعليم قبل النهضة




المقدمة:

عندما بدأ العالم العربي يتجه إلى تحديات التعليم في القرن الحالي، وينشئ المدارس النظامية، والكليات، والجامعات، بقي التعليم في عمان محصورا في الكتاتيب وحلقات المساجد التي كان لها الفضل في الأزمنة الغابرة في تخريج العديد من العلماء والأدباء والموهوبين الذين اثروا تراثنا العماني بكنوز من علوم الفقه والتوحيد، وذخائر اللغة والشعر. وفي عام 1940م أنشئت أول مدرسة نظامية في العاصمة مسقط تيمنا بمولد حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم. وكأن العناية الإلهية قد قرنت هذه المناسبة بتلك ليكون التعليم على رأس اهتمامات جلالته منذ أن تسلم مقاليد الحكم في البلاد عام 1970م. 


الفصل الأول:
القوى الدافعة لحركة التعليم في عمان:

لم يكن دخول عمان في الإسلام حدثًا عابرًا بالنسبة لأهلها، بل نقطة تحول كبرى، كانت –وستظل- مصدر الإلهام والعطاء، والحافز على نشر أنوار المعرفة والعلوم على أرضها الطيبة.
فمنذ قدوم عمرو بن العاص إلى عمان حاملاً دعوة الرسول الكريم لأهلها للدخول في الإسلام، واستجابتهم لها، بدأ نشر الدعوة الإسلامية يأخذ اتجاها تعليميا يتلقى النشء من خلاله مبادئ الدين الحنيف منذ نعومة أظفارهم، فيتعلقون به وتمتلئ قلوبهم بهدية، وكان هذا التعلق بالإسلام يحفزهم على التبحر بعمق في دراسة المعارف الإسلامية وعلوم اللغة العربية، ليكونوا أكثر قدرة على الاجتهاد في تفسير القرآن الكريم على أسس سليمة قوية.
وكان تعطشهم للتزود بعلوم الدين واللغة وحماسهم لتنشئة أبنائهم نشأة خالصة، هو الذي حدا بهم إلى فتح الكتاتيب بجوار المساجد أو في داخل البيوت لتحقيق هذا الغرض. وكان هذا النوع من معاهد التعليم هو السمة الغالبة التي سادت في كافة أرجاء العالم الإسلامي آنذاك، واستمرت حتى مطلع الفرن العشرين، بل وحتى عهد قريب.
"وتتصل عمان بماض تليد منذ دخول الإسلام إليها على يد عمرو بن العاص وكان لها دور بارز في نشر الإسلام في شرق أفريقيا. وكان للإسلام تأثير كبير عليه في شتى مجالات الحياة منها التعليم" 
وكان للإسلام أيضا تأثير على اتجاهات المجتمع العماني نحو التعليم، فلم تكن مدينة أو قرية في عمان إلا وفيها مجلس يجمع شبيها وشبابها كل مساء للتداول في أمور الحياة، ولم يكن مجلس من هذه المجالس إلا ويكرس جانبا كبيرا من وقته للتفقه بالدين، والتزود بالمعارف الإسلامية، والتحدث في شؤون الأدب والشعر.
وقد ساعدت هذه العادات المتأصلة في المجتمع العماني والتي تورثها الأبناء عن الآباء والأجداد على تدعيم إنشاء الكتاتيب وحضور الحلقات الدراسية في المساجد.





الفصل الثاني:
الظروف التي أثرت على تطور حركة التعليم في عمان.

مع بداية النصف الثاني من القرن التاسع عشر، كان ميدان التربية في العالم قد حقق تطورًا كبير ساعد عليه التقدم في العلوم المختلفة، ولا سيما في مجال علم النفس، مما أثرى التعليم بكثير من النظريات والأفكار الجديدة التي أدت إلى ظهور مدارس التعليم الحديث في كثير من البلاد.
ولكن لم يكن بمقدور عمان آنذاك أن تواكب هذا التطور بسبب مفارقاتٍ كانت تعيشها في تلك الفترة.
"ففي الوقت الذي كان العالم يتقدم فيه بسرعة كبيرة في مجال التعليم ، كان الاقتصاد العماني ينكمش بسبب فتح قناة السويس للملاحة البحرية عام 1869م وما تبع ذلك توجه غالبية السفن التجارية للمرور عبرها."1
أضف إلى ذلك أن نشاط أسطول السفن الشراعية في عمان قد تقلص في ذلك الوقت أيضا لظهور السفن البخارية، الأمر الذي أدى إلى ركود الحركة في الموانئ العمانية بعد أن كانت تعج بالنشاط في نقل البضائع بين الشرق والغرب، وتعود بالفائدة على الاقتصاد العماني.
"وقد كان لطبيعة عمان الوعرة، وتضاريسها القاسية، تأثير كبير بالنسبة لإدخال التعليم الحديث في تلك الفترة، لما يتطلبه ذلك من ضرورة تيسير المواصلات بين المدن والقرى وإنشاء الدارس وتجهيزها بالمعدات والوسائل التعليمية، وتوفير القوى البشرية المتخصصة للقيام بهذه المهمة، وما يستلزم كل ذلك من قدرات مادية"1.



الفصل الثالث:
أبرز المدارس وبيوت التعليم التي كانت موجودة في الفترة 1871م-1970م

"مدرسة الخور التي سميت باسم المسجد الذي كان التدريس يتم فيه ومدرسة (الزواوي) في (مغب) وكانتا موجودتين أيام حكم السلطان السيد تركي بن سعيد بن سلطان بن الإمام أحمد بن سعيد (1285-1305ه، 1871-1888).
ومدرسة محمد الوكيل ومدرسة بيت الوكيل وكلتاهما كانت بمسقط في حياة السلطان السيد فيصل بن تركي بن سعيد(1305-1331ه، 1888-1913م)، ومدرسة بوذينة التي سميت باسم الدرس الذي كان يقوم بالتدريس فيها وهو(محمد علي بوذينة) الذي قدم إلى عمان مهاجرا من تونس في عهد السلطان السيد تيمور بن فيصل.وقد كلفته الحكومة بالتدريس لما يزيد عن مائة تلميذ من البنين والبنات.
وكان السلطان السيد سعيد بن تيمور ممن درسوا في هذه المدرسة التي استمرت حتى عام 1930م عندما انتقل تلاميذها ومعلمهم إلى المدرسة السلطانية الأولى التي أنشأتها الحكومة آنذاك. وكان يدرس بهذه المدرسة السلطانية علوم القرآن والتوحيد والفقه واللغة العربية والتاريخ والجغرافيا والتربية الوطنية و العلوم والصحة.
وكان هنالك مدرسة بيت السيد نادر بن فيصل التي بدأ التعليم بها في عهد السلطان السيد سعيد بن تيمور بن فيصل(1350-1390ه، 1932-1970). 
أيضا المدرسة السلطانية الثانية التي أنشئت عام 1935م بعد أن استؤجر منزل ليكون مقر المدرسة السلطانية الثانية.
إضافة إلى ذلك، في عام 1936م \1355هـ أنشئت المدرسة السعيدية بصلالة التي تعتبر أول مدرسة للبنيين بالمنطقة وقام بافتتاحها السلطان السيد سعيد بن تيمور.
وفي عام 1940م افتتحت المدرسة السعيدية بالعاصمة مسقط تيمنا بمولد السلطان قابوس بن سعيد. وقد اشتد الإقبال على هذه المدرسة لدرجة أن كثيرا من المدارس الأخرى قد أغلقت. وكانت مدرسة ابتدائية مدتها ست سنوات لكنها كانت تضم أيضا مرحلة تمهيدية لما قبل التعليم الابتدائي مدتها سنتان.وقد كانت هذه المدرسة مدرسة عصرية بمعنى الكلمة فإلى جانب النشاط العلمي كان بها النشاط الرياضي المتنوع والنشاط الكشفي والرحلات التي كانت تنظمها للمناطق القريبة والبعيدة. وكان يستجلب لها الكتب من مصر وفلسطين ولبنان.
في عام 1959م أنشئت المدرسة السعيدية بمطرح وهي مدرسة ابتدائية.وقد سارت على خطى المدرسة السعيدية بمسقط من حيث النظام التعليمي والكتب المدرسية والدوام اليومي وإشراف دائرة المعارف عليها."1




الخاتمة:
بعد هذا العرض الذي يلقي الضوء على واقع التعليم في عمان خلال الفترة من عام 1871م إلى 1970م، يمكننا الوقوف على مدى الاهتمام بالتعليم الديني الذي كان منتشرا في كافة القرى والمدن العمانية متخذا من المساجد وبعض البيوت أمكنة لتلقينه وتدريسه.
وهذا الاتجاه نحو نشر التعليم الديني والاهتمام به قد ظهر في عمان منذ أن أشرق نور الإسلام بها وعلى مدى تتابع مراحلها التاريخية وحتى بعد أن ظهر التعليم النظامي منذ إنشاء المدرسة السلطانية الأولى في عهد السلطان السيد تيمور بن فيصل –رحمه الله-
إن هذا التعليم الديني كان يدور حول توجيه الفرد عقليًا ووجدانيا نحو الله سبحانه وتعالى، والارتباط به ارتباطا يؤكد تبعيته له دون سواه، وكان يؤدي إلى ما يرتبط بهذا التوجيه من ممارسة عملية وأنماط سلوكية.
ومن هنا كانت ركائز هذا التعليم هي مواد: القرآن الكريم والتوحيد والفقه، ومواد اللغة العربية.
وبفضل هذا التعليم الذي يتمثل في بناء إنسان متوازن متكامل وفي تكوين شخصية سوية عقليا ووجدانيا-زخرت عمان بتراث حافل من ألوان العلوم والآداب، فلقد تخرج في مساجدها- علماء أجلاء وأدباء موهوبون، عرفوا في جميع أرجاء عمان وأسهموا بنصيب وافر في تكوين تراثها في مجالات الدين والتوحيد والفقه والتاريخ والأدب وغير ذلك مما ينتظمه هذا التراث والذي يفتخر ويعتز به كل مقدر للفكر الإنساني.



المصادر:
1. التعليم في دول الخليج العربية.تأليف الدكتور: محمد منير مرسي. الطبعة الأولى 1409ه-1989م. دار النشر: عالم الكتب
( القاهرة).

2. لمحات عن ماضي التعليم في عمان. صدر هذا الكتاب بمناسبة الاحتفال بالذكرى الخامسة عشر للعيد الوطني المجيد 1406ه-1985م(وزارة التربية التعليم وشؤون الشباب).